في إحدى القرى رأى أكبرُ أهلها، وكان رجلاً حكيمًا، أن خصال السلبية واللامبالاة والرياء قد تفشّت بين أهلها، فأراد أن يعطيهم درسًا عمليًا وليس نظريًا، ليكون الأثر أكبر!
جمعَ أهلَ القرية ذاتَ يومٍ وقال لهم: نريد أن نقيم حفلاً كبيرًا نستقبل فيه ضيوفًا أعزّاء من القرى المجاورة! وبهذه المناسبة سنصنع "كعكة" كبيرة يشارك فيها جميع أهل القرية. وبما أننا سنحتاج لصنع هذه الكعكة مقدارًا كبيرًا من اللبن (الحليب) فسأضع في ميدان القرية الرئيس أمامَ المسجدِ قِدرًا كبيرًا، وأرجو من كلّ واحدٍ منكم أن يأتي بكوبٍ واحدٍ من اللبن وأن يضعه في القِدر دون أن يراه أحد، على أن نلتقيَ صباحَ الغد.
سارع أهل القرية لسكبِ أكوابهم في القِدر دون أن يراهم أحد!
وفي الصباح اجتمع أهل القرية وأتى أكبرُهُم، الرجلُ الحكيمُ، فلمّا فتح القِدرَ وجده ممتلئًا بكثيرٍ من الماء وقليلٍ من الحليب!
قال الحكيمُ لأهل القرية: أرأيتم لو أتى ضيوفنا اليوم ماذا كانوا يقولون عنّا؟!
إن المشكلة هي أن كل واحدٍ منكم قال لنفسه: وماذا يصنع كوبُ ماء واحدٌ حين يكون بين أكواب لبن كثيرة؟! وأن كل واحد منكم قد اعتمد على غيره في عمل الصواب، أي الخير!
لابد أن تعلموا يا أبنائي أن لكل واحد منكم دورٌ ومسؤولية، وحين يقوم كل منكم بدوره ويتحمل مسؤوليته نصل إلى الخير المأمول للجميع.
وبعد فترة من الصمت والوجوم على وجوه الحاضرين تابع قائلاً:
لماذا نسي كثيرٌ منكم أن الله يراه؟!
لو طلبتُ منكم المجيءَ في نفس الوقت لحصلنا ربما على مقدارٍ كبيرٍ من الحليب!
لماذا جعلتم نظرَ الله إليكم أهونَ من نظر الناس؟!
يا أبنائي، قد أرحلُ عنكم عما قريب، وإني لكم ناصحٌ أمين: عليكم بالإخلاص ومراقبة الله عزّ وجلّ تَعِزّون في الدنيا وتفرحون عند لقاء الله في الآخرة.
ختام: روى البيهقي في "شعب الإيمان" عن نافع قال: خرَج ابنُ عُمَر رضي الله عنهما في بعض نواحي المدينة ومعه أصحابٌ له، ووضعوا سُفْرةً لهم، فمَرَّ بهم راعي غنم، قال: فسَلَّم، فقال ابن عمر: "هَلُمَّ يا راعي، هلمَّ فأصِبْ من هذه السفرة"، فقال له: إني صائم، فقال ابن عمر: "أتصوم في مثل هذا اليوم الحارِّ الشديد سَمومُه، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟" فقال له: إني والله أُبادر أيامي الخالية، فقال له ابن عمر - وهو يريد أن يختبر ورَعه -: "فهل لك أن تَبيعنا شاةً من غنَمِك هذه فنُعطيك ثمنَها، ونعطيك من لحْمِها فتُفطِر عليه؟" فقال: إنها ليست لي بِغَنم، إنَّها غنم سيِّدي، فقال له ابن عمر: "فما عسى سيِّدك فاعلاً إذا فقَدَها، فقلتَ: أكَلَها الذِّئب" فولَّى الراعي عنه وهو رافعٌ إصبَعه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله؟
قال: فجعل ابن عمر يردِّد قولَ الراعي وهو يقول: قال الراعي: فأين الله؟
قال: فلما قَدِم المدينة بعث إلى مولاه، فاشترى منه الغنم والراعي، فأعتق الراعي ووهب له الغنم
جمعَ أهلَ القرية ذاتَ يومٍ وقال لهم: نريد أن نقيم حفلاً كبيرًا نستقبل فيه ضيوفًا أعزّاء من القرى المجاورة! وبهذه المناسبة سنصنع "كعكة" كبيرة يشارك فيها جميع أهل القرية. وبما أننا سنحتاج لصنع هذه الكعكة مقدارًا كبيرًا من اللبن (الحليب) فسأضع في ميدان القرية الرئيس أمامَ المسجدِ قِدرًا كبيرًا، وأرجو من كلّ واحدٍ منكم أن يأتي بكوبٍ واحدٍ من اللبن وأن يضعه في القِدر دون أن يراه أحد، على أن نلتقيَ صباحَ الغد.
سارع أهل القرية لسكبِ أكوابهم في القِدر دون أن يراهم أحد!
وفي الصباح اجتمع أهل القرية وأتى أكبرُهُم، الرجلُ الحكيمُ، فلمّا فتح القِدرَ وجده ممتلئًا بكثيرٍ من الماء وقليلٍ من الحليب!
قال الحكيمُ لأهل القرية: أرأيتم لو أتى ضيوفنا اليوم ماذا كانوا يقولون عنّا؟!
إن المشكلة هي أن كل واحدٍ منكم قال لنفسه: وماذا يصنع كوبُ ماء واحدٌ حين يكون بين أكواب لبن كثيرة؟! وأن كل واحد منكم قد اعتمد على غيره في عمل الصواب، أي الخير!
لابد أن تعلموا يا أبنائي أن لكل واحد منكم دورٌ ومسؤولية، وحين يقوم كل منكم بدوره ويتحمل مسؤوليته نصل إلى الخير المأمول للجميع.
وبعد فترة من الصمت والوجوم على وجوه الحاضرين تابع قائلاً:
لماذا نسي كثيرٌ منكم أن الله يراه؟!
لو طلبتُ منكم المجيءَ في نفس الوقت لحصلنا ربما على مقدارٍ كبيرٍ من الحليب!
لماذا جعلتم نظرَ الله إليكم أهونَ من نظر الناس؟!
يا أبنائي، قد أرحلُ عنكم عما قريب، وإني لكم ناصحٌ أمين: عليكم بالإخلاص ومراقبة الله عزّ وجلّ تَعِزّون في الدنيا وتفرحون عند لقاء الله في الآخرة.
ختام: روى البيهقي في "شعب الإيمان" عن نافع قال: خرَج ابنُ عُمَر رضي الله عنهما في بعض نواحي المدينة ومعه أصحابٌ له، ووضعوا سُفْرةً لهم، فمَرَّ بهم راعي غنم، قال: فسَلَّم، فقال ابن عمر: "هَلُمَّ يا راعي، هلمَّ فأصِبْ من هذه السفرة"، فقال له: إني صائم، فقال ابن عمر: "أتصوم في مثل هذا اليوم الحارِّ الشديد سَمومُه، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟" فقال له: إني والله أُبادر أيامي الخالية، فقال له ابن عمر - وهو يريد أن يختبر ورَعه -: "فهل لك أن تَبيعنا شاةً من غنَمِك هذه فنُعطيك ثمنَها، ونعطيك من لحْمِها فتُفطِر عليه؟" فقال: إنها ليست لي بِغَنم، إنَّها غنم سيِّدي، فقال له ابن عمر: "فما عسى سيِّدك فاعلاً إذا فقَدَها، فقلتَ: أكَلَها الذِّئب" فولَّى الراعي عنه وهو رافعٌ إصبَعه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله؟
قال: فجعل ابن عمر يردِّد قولَ الراعي وهو يقول: قال الراعي: فأين الله؟
قال: فلما قَدِم المدينة بعث إلى مولاه، فاشترى منه الغنم والراعي، فأعتق الراعي ووهب له الغنم