مع بذوق شمس مشروع الجزيرة، وتحول نظام الزراعة من مطرية إلى الري بنظام القنوات، تحولت معها كثير من الأفكار والمفاهيم، فعمت المدارس والمستشفيات والمياه العذبة، أرجاء المشروع وأصبحت منطقة جازبة وفد إليها أبناء الوطن من مناطق عديدة ولا أكون مبالغاً إذا قلت بأن قرى بأكملها جاءت واستقرت بالمشروع فكان هذا التنوع الثقافي والأثني الذي لا يوجد إلا في مدينة أمدرمان المثلث الثالث للعاصمة القومية.
ومع هذا التحول الكبير وقيام مصنع الصداقة ومصنع قوز كبرو تمازجت قريتنا مع كثير من الأعراق والسحنات بل ضمت قريتنا كوكتيل فريد نوعه فقلما تجد قرية من قرى الجزيرة فيها (حلب) وهذا دليل على أن التنوع الأثني هو شعار قريتنا وظل شعار قوتنا في اتحادنا وهو منبع القوة وركيزة التنمية.
في فترة الثمانيات من القرن الماضي شهدت القرية نهضة كروية ذائعة الصيت وأصبحت كرة القدم في القرية في أوجها وعظمتها مما حدا بالأخوة القائمين على الرياضة ولتشجيع هذه النهضة بأن وزعوا القرية على أربعة فرق لإذكاء روح المنافسة ولاختيار المبرزين من اللاعبين وكان برزت هذه المنافسات العديد من المواهب التي كانت لها الأثر الكبير فيما بعد في انضمام الفريق إلى الدوري باتحاد الحصاحيصا، بل قام فريق القرشي تغذية الأندية حتى ولم نسمع في يوم من أيام أن مشجعاً واحداً يشجع لاعب بعينه أو ينحاز إلى حي بعينه وكان جميع الناس تفرح للانتصار وتحزن للهزيمة.
ما قادني لكل هذا السرد التاريخي ما ظهر مؤخراً في أصوات شاذه تغرد خارج السرب بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث شاركت في منافسات التأهل للدرجة الثالثة بدوري الحصاحيصا .
ونحمد الله أن أصوات نشاز لم تخرق العزف الراقي الذي يعزفه إنسان القرية هذه الأيام من حركة قوية في شتى المجالات ولكن لابد للتنبيه لمثل هذه الأصوات و«خرسها» في حينها لكي لاتتعالى وتخلق شرخاً في هذا البيان والطود الشامخ الذي ظل أبناؤها وأجدادنا يبنوه طوال هذه السنين، وكما أصابتني الدهشة وأنا استمع لبعضهم ففي الوقت الذي يشهد العالم تكتلات وسعي محموم لتطوير مناطقهم وبذل كل غالٍ ونفيس من أجل تطويرها نجدهم يريدوننا أن نتقوقع بالرجوع إلى أزمان سحيقة من التخلف والتيه والهوان، مثل هذه الأصوات يجب أن تتوارى وأن تلقي بأفكارها السامة في سلة المهملات لأنها لم يعد لها موطن قدم بيننا والرجوع إليها ولو لحظة يعد انتكاسة عظيمة ربما تؤدي إلى الشلل العام في جميع مناحي الحياة ويجب أن نردد جميعاً فوق ..فوق القرشي فوق.. .