يراه العابرون لأحد الميادين العامة بالعاصمة جالساً على عرشه المكون من مجموعات متراكمة من الصحف القديمة والعبوات الكرتونية والبلاستيكية الفارغة المتراصة في شكل لا يخلو من الجمال ساهماً .. ناظراً للأعلى كأنه ينتظر سقوط نيزك أو هبوط صحن فضائى ... لم يعرف العابرون وسائقى المركبات العامة وبائعي الصحف وماسحى الورنيش ولا حتى المتشردين من أين أتى هذا الرجل ؟؟ الكثير منهم رأه جالساً فى مكانه فجأة كأنه نبت شيطاني ... كانوا ينظرون اليه بخوف ووجل ونادراً ما كانوا يقتربون منه ... لم يغادر مكانه في ليالي الشتاء البارده أو في ساعات النهار اللاهبة ولا حتى خلال الأمطار الغزيرة ... كان دائماً يُرى جالساً وفى المرات القلائل التى شُوهد فيها واقفاً كان عندما يضيف بعض الصحف والعبوات المتطايرة لتدعيم عرشه ... بعضهم كان يقدم له الطعام والشراب ولا يسمعون منه سوى تمتمات وهمهمات لا معنى لها يفسرونها بأنها تعنى شكرأً...لكن الغريب أن الرجل كان يجيب اذا سألته عن التاريخ أو الزمن والأغرب أنه كان يحدد تاريخ اليوم بالتقويم الميلادي أو الهجري والزمن كأنه ساعة ناطقة ولم يُعرف عنه أنه أخطأ مرة واحدة في تحديد التاريخ الهجري أو الميلادي رغم صعوبة معرفة التاريخ الهجري الا فى رمضان أو عيد الأضحى وكان يمتلك قدرة غير عادية على تحديد الوقت رغم عدم امتلاكه لساعة حتى أن بعض الفضوليين كان يسأله عن التاريخ أو الزمن كلما مروا به من باب التفكه والمداعبة لكنه كان يجيب بجدية شديدة حتى ولو سألته مئات المرات....سأل أحدهم بائع الصحف المقابل لمكان الرجل عنه فأجاب... أعتقد انه رجل مسكين لا أهل له ليس له مأوى و لا معيل ... قاطعه رجل آخر كان يقرأ الصحيفة بجواره ويبدو أنه من رواد الميدان ..لا هذا الرجل مجنون وأعتقد أنه فر من مستشفى المجانين ... لكن أمراة فى منتصف العمر ردت بغضب هو رجل مبروك .. مكشوف عنه الحجاب ...وأردفت هامسة ..أسكتوا حتى لا يصيبنا غضبه و انصرفت مسرعة كأنها تتبرأ من هذا الجمع وتتلفت وراءها خائفة من أن تصيبها لعنة ما ... سكت الجمع يبدو أن كلام المرأة أخافهم .. فالرجل يمتلك قدرات غير طبيعية ومكوثه في هذا المكان كل هذه المدة وحده مؤشر غير طبيعى !!! قطع صوت شاب الصمت الطويل ..هذا الرجل ليس مجنوناً ولا شيخاً هذا كلام فارغ..وهمس قائلاً : الرجل يعمل بجهاز الأمن ويبدو أنه مكلف بالتجسس على كل العابرين والباعة بالميدان ونقل أخبارهم ...سكت الجميع كأنما وقعت عليهم صاعقة وغادر أكثرهم مسرعاً لا يلوى على شئ خوفاً من أن يكون كلام الشاب صحيحاً فالشيخ والمجنون مقدور عليهم أما الأمن وما أدراك ما الأمن ..فالداخل عندهم مفقود والخارج منهم مولود.أعتاد رواد الميدان على وجود الرجل المجهول وأطلق بعضهم عليه الشيخ تاريخ ..ولقبه آخرون بعقرب الثوانى وتوجس منه الكثيرون وابتعدوا عنه..الفضوليون وحدهم استمروا فى سؤاله عن التاريخ وبعض النسوة يطلبن منه الدعاء لهن بالبركة ويعطينهن مما عندهن .. رجال البلديه كانوا يطاردون الباعة المتجولون والمتسولون لكنهم كانوا يتجاهلونه ويتجنبونه لماذا ؟ لا أحد يدري.....وفي يوم خريفي غائم فوجئ رواد الميدان باختفاء الرجل المجهول و اندثار عرشه المتراكم على مر السنين والايام .... احس الجميع بغيمة سوداء وتشاءم الكثيرون ... وبدأت التكهنات فمن قال أن الرجل قد مات ...انبرى رجل يبدو عليه الوقار قائلاً .. انا لله وانا اليه راجعون وطلب من الجميع قراءة الفاتحة ...إلا أن الكثيرون لم يقتنعوا فان مات الرجل أين ذهب عرشه ؟ ....قال الشاب ألم أقل لكم الرجل يعمل بالأمن وقد انتهت مهمته وذهب ... سكت الجميع واقنعوا أنفسهم أن هذا الكلام غير صحيح خوفاً من العواقب ... ارتفع صوت أحدى النسوة الشيخ ذهب الى الحج ... لكن الوقت لم يكن وقت حج ....قال بائع الصحف يبدو أن أهله اتوا وأخذوه ... قال آخر لا تتعبوا أنفسكم انه رجل مجنون وقد يكون قد ذهب الى أي مكان ..... لم تكن لدى الجميع اجابة ...الى أين ذهب الرجل المجهول و اكتشفوا ولأول مرة انهم لا يعرفون حتى أسمه !!!!!!!!
نرجو التسجيل ايها الزائرالكريم ... انت غير مسجل
وخاصة ابناء طيبة الشيخ القرشي
nets
انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل