للكاتب التركى الساخر : عزيز نيسين
أيامه الاخيرة فى السجن كانت جحيما لا يطاق فقد هجرته زوجته وهو مسجون وبعد خروجه كادت الوحدة أن تقتله ،كان يجوب في شوارع العاصمة غريبا يائسا بائساً ،حالته المادية كانت سيئة للغاية لا تساعده على دفع ايجار شقته الضيقة الصغيره لذا قرر أن يتركها ويبحث عن غرفة صغيرة خارج المدينه يقدر على دفع كلفتها .. لقد كان فيما مضي ناشطاً سياسياً يطالب بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الفقراء والمعدمين بل لقد افني حياته وزهرة شبابه مطالبا بحقوقهم لكنه الآن بعد خروجه من السجن صار أكثر بؤسا منهم .. بعد بحث طويل عثر علي بغيته ، فقد وجد منزلاً شعبياً مؤلفاً من غرفة صغيرة يبعد عن المدينة مسافة ساعتين سيرا على الاقدام ، حمل كتبه القديمة وملابسه الباليه وهى كل ما يملك.
قبالة المنزل بنيت بقالة صغيرة من بقايا الاخشاب والواح الزنك المهترئ.. والى يسارها كوخ لبيع الخضار، كان بائعا البقالة والخضاريشتكيان من قلة عدد الزبائن فى المنطقة ومن فقرهم المدقع.
توطدت عري الصداقة بينه وبينهم ، بعد فترة قصيرة من استقراره فى مسكنه الشعبي حضر الى الحي بائع الكعك وبائع الذرة ثم بائع حلوى الغريبه ثم بائع المياة الغازية وأخيراً الاسكافي..واستقروا جميعا مع عائلاتهم فى الحي ، تحول المكان بمرور الوقت الى سوق تجاري بسيط ،.بدأ عامل النظافة يكنس الشوارع ، كثر الباعة المتجولون وشيد هناك مقهى.. كان يشعر بالسعادة الغامرة لهذا الجو الرحب الباعث للفرح والبهجة ، لكنه مع الاسف ما زال عاطلا عن العمل ولم يبق امامه سوى الاستدانة من اصدقائه ، لكنهم للاسف جميعا مفلسون.
عرض عليه احد معارفه العودة الى المدينة والسكن معه فى غرفة واحدة مجانا، اعجبته الفكرة كثيرا لكن يستحيل عليه اخلاء منزله فهو مدين للبقال وبائع الخضار وآخرين.
وفي ليلة من الليالي وبينما هو يفكر فى مخرج لما هو فيه اذا بالباب يقرع ، كان القارعون للباب
هم البقال وبائع الخضار وصاحب المقهى.
اعتذر لهم انه لا يملك شئ ليقدمه لهم فقالوا له :
- لا بأس فقد احضرنا معنا الشاي والسكر
لقد كان يعتقد انهم حضروا للمطالبة بديونهم لكنهم قالوا له :
- لقد سمعنا انك تنوي ان تغادر.
قال لهم :
- اطمئنوا لن اغادر المنزل قبل ان ادفع لكم ديونكم.
قالوا له :
- عيب يا سيد.. ديون ماذا .. وهل بيننا ديون..هل طالبناك بشئ..؟ نحن نعرف ما فعلت من اجل الفقراء والمساكين ..لقد حضرنا لمنزلك لنطلب منك البقاء وعدم الانتقال..فأنت رجل بركه..ومنذ اتيت لهذا الحي..والحركة التجارية في ازدياد مستمر..ونحن من سيدفع لك ايجارك وايضا سندفع لك اجرة لكي تبقي..فانت كما قلنا لك رجل بركه وأي بركه..! شكرهم على عرضهم..واعتذر عن قبوله..لكنهم اصروا عليه..كان على وشك ان يجهش بالبكاء..ثمة تغيير فى هذا البلد يحدث..وكأن صحوة بدأت توقظ الناس من سباتهم..فهو لم يعمل مع رفاقه كل تلك السنين لأمور تافهه..وهؤلاء الاشخاص الواقفون أمامه كانوا يشيحون بوجوههم عنه ويحتقرونه فيما مضي..!
-قال لهم :
- أدامكم الله ..شكرا .. لكم منى جزيل الشكر .. ولكن اسمحوا لي فأنا لا يمكن أن اقبل معونتكم..!
عرضوا عليه أن يستأجروا له منزلا افضل..وان يضعوا خادما يخدمه..وان يبعثوا له بالطعام كل يوم مجانا..لكنه اصر على الرفض..حينها.. نظر الثلاثة في وجوه بعضهم وقرروا انه لابد من اخباره بالحقيقة :
- اسمع يا استاذنا الكبير..أدامك الله لنا ذخرا وعزا..عندما حضرت الي حينا..بدأت عناصر الأمن من الشرطة السرية تجوب ازقته بمظاهر متعدده(زبال ماسح احذية الخ)..لمراقبتك ووضعك باستمرار تحت انظارهم..وعلي هؤلاء الشرطة جاءت شرطة آخرون لمراقبتهم..وعلى الآخرون جاء آخرون لمراقبتهم..حتى استقر اغلبهم..فى هذا الحي..فازدهرت تجارتنا..واصبحت حالتنا المادية ممتازة..فإذا انتقلت انت من هنا..ستعود المنطقة الى حالها من الفقر والعوز لان جميع افراد الشرطه سيرحلون ليقتفوا أثرك..فلا ترحل الله يخليك يا سيدنا لا ترحل..وأجهشوا بالبكاء..وأجهش معهم بالبكاء..ولكن لأمر آخر..!
أيامه الاخيرة فى السجن كانت جحيما لا يطاق فقد هجرته زوجته وهو مسجون وبعد خروجه كادت الوحدة أن تقتله ،كان يجوب في شوارع العاصمة غريبا يائسا بائساً ،حالته المادية كانت سيئة للغاية لا تساعده على دفع ايجار شقته الضيقة الصغيره لذا قرر أن يتركها ويبحث عن غرفة صغيرة خارج المدينه يقدر على دفع كلفتها .. لقد كان فيما مضي ناشطاً سياسياً يطالب بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الفقراء والمعدمين بل لقد افني حياته وزهرة شبابه مطالبا بحقوقهم لكنه الآن بعد خروجه من السجن صار أكثر بؤسا منهم .. بعد بحث طويل عثر علي بغيته ، فقد وجد منزلاً شعبياً مؤلفاً من غرفة صغيرة يبعد عن المدينة مسافة ساعتين سيرا على الاقدام ، حمل كتبه القديمة وملابسه الباليه وهى كل ما يملك.
قبالة المنزل بنيت بقالة صغيرة من بقايا الاخشاب والواح الزنك المهترئ.. والى يسارها كوخ لبيع الخضار، كان بائعا البقالة والخضاريشتكيان من قلة عدد الزبائن فى المنطقة ومن فقرهم المدقع.
توطدت عري الصداقة بينه وبينهم ، بعد فترة قصيرة من استقراره فى مسكنه الشعبي حضر الى الحي بائع الكعك وبائع الذرة ثم بائع حلوى الغريبه ثم بائع المياة الغازية وأخيراً الاسكافي..واستقروا جميعا مع عائلاتهم فى الحي ، تحول المكان بمرور الوقت الى سوق تجاري بسيط ،.بدأ عامل النظافة يكنس الشوارع ، كثر الباعة المتجولون وشيد هناك مقهى.. كان يشعر بالسعادة الغامرة لهذا الجو الرحب الباعث للفرح والبهجة ، لكنه مع الاسف ما زال عاطلا عن العمل ولم يبق امامه سوى الاستدانة من اصدقائه ، لكنهم للاسف جميعا مفلسون.
عرض عليه احد معارفه العودة الى المدينة والسكن معه فى غرفة واحدة مجانا، اعجبته الفكرة كثيرا لكن يستحيل عليه اخلاء منزله فهو مدين للبقال وبائع الخضار وآخرين.
وفي ليلة من الليالي وبينما هو يفكر فى مخرج لما هو فيه اذا بالباب يقرع ، كان القارعون للباب
هم البقال وبائع الخضار وصاحب المقهى.
اعتذر لهم انه لا يملك شئ ليقدمه لهم فقالوا له :
- لا بأس فقد احضرنا معنا الشاي والسكر
لقد كان يعتقد انهم حضروا للمطالبة بديونهم لكنهم قالوا له :
- لقد سمعنا انك تنوي ان تغادر.
قال لهم :
- اطمئنوا لن اغادر المنزل قبل ان ادفع لكم ديونكم.
قالوا له :
- عيب يا سيد.. ديون ماذا .. وهل بيننا ديون..هل طالبناك بشئ..؟ نحن نعرف ما فعلت من اجل الفقراء والمساكين ..لقد حضرنا لمنزلك لنطلب منك البقاء وعدم الانتقال..فأنت رجل بركه..ومنذ اتيت لهذا الحي..والحركة التجارية في ازدياد مستمر..ونحن من سيدفع لك ايجارك وايضا سندفع لك اجرة لكي تبقي..فانت كما قلنا لك رجل بركه وأي بركه..! شكرهم على عرضهم..واعتذر عن قبوله..لكنهم اصروا عليه..كان على وشك ان يجهش بالبكاء..ثمة تغيير فى هذا البلد يحدث..وكأن صحوة بدأت توقظ الناس من سباتهم..فهو لم يعمل مع رفاقه كل تلك السنين لأمور تافهه..وهؤلاء الاشخاص الواقفون أمامه كانوا يشيحون بوجوههم عنه ويحتقرونه فيما مضي..!
-قال لهم :
- أدامكم الله ..شكرا .. لكم منى جزيل الشكر .. ولكن اسمحوا لي فأنا لا يمكن أن اقبل معونتكم..!
عرضوا عليه أن يستأجروا له منزلا افضل..وان يضعوا خادما يخدمه..وان يبعثوا له بالطعام كل يوم مجانا..لكنه اصر على الرفض..حينها.. نظر الثلاثة في وجوه بعضهم وقرروا انه لابد من اخباره بالحقيقة :
- اسمع يا استاذنا الكبير..أدامك الله لنا ذخرا وعزا..عندما حضرت الي حينا..بدأت عناصر الأمن من الشرطة السرية تجوب ازقته بمظاهر متعدده(زبال ماسح احذية الخ)..لمراقبتك ووضعك باستمرار تحت انظارهم..وعلي هؤلاء الشرطة جاءت شرطة آخرون لمراقبتهم..وعلى الآخرون جاء آخرون لمراقبتهم..حتى استقر اغلبهم..فى هذا الحي..فازدهرت تجارتنا..واصبحت حالتنا المادية ممتازة..فإذا انتقلت انت من هنا..ستعود المنطقة الى حالها من الفقر والعوز لان جميع افراد الشرطه سيرحلون ليقتفوا أثرك..فلا ترحل الله يخليك يا سيدنا لا ترحل..وأجهشوا بالبكاء..وأجهش معهم بالبكاء..ولكن لأمر آخر..!