نحن اليوم نسبح في الأفلاك في رحلة نجوب من عالم الأشباح إلى سماء الأرواح حيث مسيد الشيخ القرشي فمن عجب أن الناس ينتسبون إلى الأماكن بينما نجد هنا الأماكن تتشرف بأن تنسب إليهم فالبقعة الطاهرة طيبة تنسب إلى الشيخ القرشي ويا له من شرف لا يدانيه شرف.
لعل من عبقرية هذا العالم أن جعل في معيته ألوان شتى من الشعوب والأجناس والأعراق.. لا يميز بينهم لون ولا مال فالكل يريد صحبة الشيخ والقرب منه غايه تقطع لها آلاف الأميال.
إن النسيج الاجتماعي الذي تشده طيبة الشيخ القرشي يدعوا للتأمل والنظر وليت ساستنا اليوم يأخذون من طيبة منهج ونبراس فهي نموذج للسودان الكبير، فموقع طيبة جعل منها ملتقى للثقافات فنجد العامل والمزارع والموظف.. كل في تناغم يعزفون لحن المودة والوئام والأخوة الصادقة.
هذا التمازج الفريد جعل من المصاهرة والنسب لونية جديدة لا تلتفت إلى الجهوية ولا القبلية وأصبح التداخل بين الناس على سجيته فلا كلف بين الناس وكلهم جميعاً في الملمات والأفراح فنجد هنالك كثير من الألقاب أضفت على بعض الشخصيات لون آخر وأصبح هذا اللقب ينسي الناس الاسم الحقيقي للفرد وليس هنالك أي نوع من التزمت والغضب من الألقاب التي ظل أهلها يطلقونها في على بعض الأفراد وإن كانت بعضها تدعو للدهشة (الفيل - الربع - ود الكلب - طيطا- تجو - كدينه - الحاوي - طنبجيه - ماو) وكثير من الألقاب لا يسع المجال لذكرها.
ومن بين هذه الأفلاك برز فريق (ود النور) والذين عرفوا بالابتسامة الصادقة وسرعة البديهة فهم فاكهة طيبة أناس محبين للحياة لا يلتفتون إلى كثير من تعقيداتها اتخذوا من الابتسامة شعار ودسار.. ففي أصبح المواقف تجدون يحولون قسوة الأيام إلى ابتسامه تنسي البعض معنا ما يعانيه من مشقة وكدرها، ولعل هنا أجد نفسي منحازاً إلى الوالد محمد أحمد النور الشهير بـ (ود النور) فقد فاقت سخريته للحياة كل وصف ومن تلك المواقف أن أحد جاء إليه في دكانه في وسط القرية وأصبح يقلب في الخبز (الرغيف) وود النور ينظر إليه وهو مستمر في فعله حتى إذا فرغ ود النور من الزبائن التفت إلى ذلك الرجل وسأله: (يا أخوي أنت عايز نمره كم؟!) . ولم يسلم حتى الأخوة في جنوب الوادي من سخريته حيث قال له أحد الأخوة الجنوبيين (ود النور عندك كريم نيفيا) فرد عليه (عندي كريم نيفيا .. لكن ما عندي رغيف تاكله بيه).
هكذا جاءت سيرتهم تملأ الوجدان فرحاً وتسربلت الأشجان بذكراهم فهم دوماً زادنا الذي نستعين به على هجير الأيام ودامت طيبة منبع الحب والجمال والطيبة.